الإختراق والتحكم الناعم في الدولة التونسية من ق19 الى ق21

-هذه مقدمة تقرير الحزب القومي التونسي في إطار الحملة القومية ضد التدخلات و التمويلات الاجنبية في تونس و هو بعنوان:

الإختراق الأجنبي للدولة التونسية: إختراق الجمعيات التونسية عبر التمويل الأجنبي

– القرن 19 يسمى عادة القرن العصيب في تاريخ تونس لأن الدولة التونسية مرت بفترات ضعف شديد أدت لاحتلالها و استعمارها في ما بعد . في مؤتمر برلين سنة 1878 المستشار الألماني بسمارك خاطب وزير الخارجية الفرنسي قائلا ” ان الاجاصة التونسية قد نضجت و حان وقت قطافها “.

– المشروع الفرنسي لاحتلال تونس ( و لكل الشمال الإفريقي ) ابتدأ منذ اول القرن حيث وضعت أول خطة للانزال العسكري في الساحل الافريقي ( تونس-الجزائر) في سنة 1800 و من لحظتها الى سنة 1881 قامت السياسة الفرنسية بانضاج الوضع التونسي شيئا فشيئا لإضعاف المقاومة التونسية من الداخل حين تحين لحظة الهجوم العسكري .- تغلغل النفوذ الفرنسي بصفة عامة في تونس و توصل شيئا فشيئا الى التحكم في القرارات الكبرى و القوانين ( مثل عهد الأمان ) بل و بلغت العلاقات بين القناصل الفرنسي و النخب التونسية ( سياسية ,اجتماعية و حتا دينية ) مستويات غير عادية من التقارب و تجنس عدد من الوزراء بالجنسية الفرنسية ( مثل محمود بن عياد وزير المالية ) و كان لفرنسا التاثير الثقافي و الحضاري و التعليمي الأبرز في تونس مقابل باقي القوى الاوروبية .

– السياسة الأوروبية وخاصة الفرنسية في القرن 19 اتجهت نحو اختراق النخب التونسية بصفة عامة و الهيمنة عليها و تحويلها لنخب موالية لها تمهيدا للسيطرة التامة فيما بعد و تسابقت القوى الاوروبية الثلاث ( الفرنسية-الايطالية والانجليزية ) لتجنيد الاتباع وسط حاشية الباي ,الوزراء ,الاعيان و حتا الائمة و شيوخ الطرق الصوفية.

– حين عزمت الحكومة الفرنسية على احتلال تونس في 1881 انحصرت المقاومة في القبائل و مدينتي صفاقس و قابس في حين استسلمت حكومة الباي ( باستثناء محمد العربي زروق الي رفض الاستسلام ) , استسلم الاعيان في غالبية المدن , استسلمت غالبية إطارات الدولة المدنية والعسكرية ( هناك من رفض الاستسلام من القياد مثل “علي بن خليفة النفاتي ” و الضباط مثل ضابط المدفعية “كمون”) ,لم يعلن المجلس الشرعي الزامية الجهاد و شق عصا الطاعة ,و لم تقاوم الطرق الصوفية بل ساند “قدور الميزوني ” شيخ الزاوية القادرية بالكاف فرنسا وأعلن ان احتلالها لتونس هو قدر الاهي.

– لقد أثمرت سياسة الاختراق للنخبة في القرن 19 نتايج عملاقة حيث انها حققت شيئا فشيئا الأهداف الفرنسية ( و الاوروبية) و مكنت من التغلغل السياسي,الاقتصادي ,المالي ( عبر القروض) و اصطنعت العديد من العملاء وسط اجهزة الدولة مما سهل عملية الاحتلال و الاستعمار فيما بعد لدرجة كبيرة ( رغم المقاومة البطولية للقبائل و لمدينتي صفاقس و قابس).

– لقد ثبت لكل القوى الكبرى ان فرض السياسات,القيم والمصالح بالقوة العسكرية المباشرة هوا مكلف جدا عسكريا ,ماديا و سياسيا و تنتج عليه حركات مقاومة مستمرة و منهكة للدولة مهما كانت قوتها ( تجربة حربي الفيتنام و أفغانستان ) و لذا من القرن 19 بدأت القوى الكبرى ( فرنسا ,بريطانيا ,امريكا ,روسيا و حتا المانيا ,ايطاليا ) بالتخطيط للتحكم الناعم في الامم ,الدول والشعوب عبر اختراقها سياسيا-ثقافيا ,اجتماعيا و حتى دينيا.


– منذ النصف الثاني للقرن 20 ( بعد الحرب العالمية الثانية ) وظهور الصراع العقائدي الروسي-الأمريكي (الماركسية ضد الليبرالية) تبين ان مد النفوذ السياسي-العسكري مرهون بمد النفوذ الفكري-الثقافي و الإعلامي في المجال و لذا تسابقت كل القوى الكبرى في تمويل مؤسسات او “منظمات غير حكومية ” تكون اهدفها المعلنة ذات طابع سياسي-اجتماعي-مدني-حقوقي او ديني نيبل من الخارج و لكنها تعمل في الحقيقة على بث خطاب و فكر موالي و تكوين نخب تابعة فكريا و سياسيا في البلد المستهدف.

– حاليا كل دولة تريد التأثير في باقي العالم بنجاعة ودون استخدام القوة ( او التهديد باستعمالها) تمول مجموعة مؤسسات -جمعيات او منظمات غير حكومية تعمل في مجالات متعددة ( خيرية ,اسعافية ,رياضية ,حقوقية ,دينية ,ثقافية ,اقتصادية ,نسوية الخ ) تنشر فكرها ,قيمها و تكن نفوذها في نفسية الجمهور و النخبة الذين يتحولون شيئا فشيئا لفئات داعمة لها و موالية لها حتى على حساب الامة ,الدولة و الوطن.


– هناك جانب فكري وعاطفي في أي مواجهة وخاصة المواجهات السياسية و تحييد جزء من الرأي العام لدى الخصم او السيطرة عليه عامل مفيد جدا في الانتصار و لذا فانو كل جيوش الدول القوية تجهزت باقسام للحرب النفسية منذ بداية القرن 20 و كل اجهزة استعلامات القوى الراغبة في الهيمنة تقوم بتكوين أذرع اعلامية ,جمعياتية ,نقابية , حزبية أو دينية في اي مكان في العالم تستطيع ذلك .

– في المجتمع التونسي للقرن 19 كانت النخبة تتكون من : الحاشية ,اطارت الدولة المدنية و العسكرية,اساتذة جامع الزيتونة ,القضاة , العدول ,الائمة ,الفقهاء,المفاتي,شيوخ الطرق الصوفية و اعيان التجار ,الفلاحة و الحرفيين و السياسة الفرنسية والأوروبية عموما حاولت اختراقهم بطرق متعددة .في القرن 21 النخبة تتكون من : إطارات الدولة ,الحزبيين , النقابيين ,الجمعياتيين ,الاعلاميين ,رجال الاعمال ( صناعة ,تجارة , فلاحة ,بنوك , سياحة ,عقارات الخ ) ,الفنانين ,أساتذة الجامعات ,المفكرين و هؤلاء ينتظمون غالبا في ما يسمى بالمجتمع المدني و هذا بالضبط ما يقع اختراقه عبر تمويله.

– مثال على هذا في القرن 19 توصلت القوى الأجنبية ( فرنسا ,ايطاليا و بريطانيا ) عبر الضغوط و الاختراقات الى سن قانون “عهد الأمان ” الذي منح الأجانب في تونس نفس حقوق التونسيين و خاصة حق ملكية الأراضي و مهد للاستعمار الفلاحي في ما بعد و في القرن 21 توصل القوى الاجنبية ( امريكية ,اوروبية و قطرية-تركية ) انها تفرض سن قانون “الميز العنصري ” ( قانون عدد 50 لسنة 2018 ) الي تحول الى سيف مسلط على الدولة وعموم التونسيين اذا قرروا مواجهة مشروع الاستيطان الاجصي بتونس.


– عبر الشعارات الحقوقية و الديمقراطية تحاول القوى الاجنبية من القرن 19 تفكيك الدولة التونسية و تشتيت السلط و اضعاف الحكومة وخلق مراكز نفوذ عند الاحزاب ,الجمعيات ,والنقابات ووسائل الإعلام و بالتالي تكوين جيوش سياسية واعلامية و اجتماعية تابعة يقع استخدامها ضد الدولة الوطنية في حالة مواجهة و التدخل لفائدتها من بعد بحجة حماية الديمقراطية و حقوق الانسان.

– تبين للقوى الأجنبية عبر تجربة قرنين انو من الاسهل لهم التحكم في الدولة التونسية بنعومة من داخلها عبر الاختراق السياسي-الاجتماعي و الديني عوض الضغط بالقوة العسكرية او الاحتلال المباشر و لذا وقع اعتماد هاته الخطة و ضح مئات المليارات في تونس منذ 2011 بحجة دعم المجتمع المدني و الانتقال الديمقراطي.

انتهت المقدمة،
و الفصل القادم بعنوان :

تمويل الجمعيات من الخارج : فخ الهيمنة

هذا التقرير يتظمن:

-مقدمة الإختراق والتحكم الناعم في الدولة التونسية من القرن 19 الى القرن 21
-الفصل الأول: تمويل الجمعيات من الخارج : فخ الهيمنة
-الفصل الثاني: من قانون 1959 لمرسوم 2011 : الإباحة التامة للتمويل الأجنبي
– الفصل الثالث: تقرير دائرة المحاسبات و أزمة الرقابة على التمويل الأجنبي للجمعيات
-الفصل الرابع: بيان 21 فيفري 2023 و ظهور العمالة الجمعياتية للعلن
-الفصل الخامس: جمعيات “تونسية” الممولة أجنبيا.
– الفصل السادس: المانحون الأجانب
-الفصل السابع: مطالبنا.
* ملاحق:
رقم1: بيان الحزب القومي التونسي
رقم 2: بيان جبهة مناهضة الفاشية
رقم 3: فصل من تقرير محكمة المحاسبات عدد32 لسنة 2021

هذا التقرير تم إرساله كاملا بين شهري ماي وجوان من سنة 2023 الى الجهات الرسمية التونسية التالية:

-رئاسة الجمهورية
– رئاسة الحكومة
– مجلس نواب الشعب
– وزارة الخارجية
– وزارة الداخلية
– وزارة العدل
– وزارة الدفاع الوطني


الحزب القومي التونسي

الحزب القومي التونسي

0 تعليق

اترك تعليقاً

عنصر نائب للصورة الرمزية (Avatar)

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *